GPS يضلّ سكان جدة- رحلة قسرية إلى بورتسودان!

المؤلف: ريهام زامكه09.06.2025
GPS يضلّ سكان جدة- رحلة قسرية إلى بورتسودان!

مرحباً، يا قوم هل الصوت واضح؟ هل تسمعونني جيداً؟!

إنني أسطر لكم هذه الكلمات من مدينة بورتسودان الساحرة، جوهرة الساحل السوداني، والتي قد يجهل موقعها تحديداً البعض، فهي تتربع على الشريط الساحلي شمال شرق السودان، على بعد حوالي 675 كيلومتراً من العاصمة الخرطوم.

لقد وجدت نفسي هنا "مكرهة لا بطلة"، فالجوال يشير إلى أنني قاطنة في هذه الربوع منذ ما يقرب من أسبوعين، وعندما سعيت جاهداً للبحث عن تفسير لهذا اللغز المحير، اكتشفت أنني لست وحدي في هذه المعضلة، بل إن جموعاً من سكان جدة يشاركونني نفس المصير، ويعانون من ذات الإشكالية، فجلّهم عالقون افتراضياً في بورتسودان، ويبدو أن ثمة خللاً عاماً يشوب نظام تحديد المواقع العالمي GPS، وتحديداً في المناطق المحاذية للبحر الأحمر، ولا ندري على وجه اليقين ما هو مكمن هذا الخلل؟ ومتى يحين موعد العودة الحميدة إلى ربوع ديارنا بسلامة وأمان.

لذا، ومن هذا المقام، أتضرع إلى الجهات المعنية والمسؤولة عن صيانة نظام GPS، أن تتدخل مشكورة لحل هذه المعضلة العويصة، فبكل صراحة ووضوح، حاولت قبل أيام معدودة أن أطلب وجبة "مطبق" شهية، ولكنني تفاجأت برسالة اعتذار عبر التطبيق، مضمونها:

"نأسف، خدمتنا لا تغطي هذه المنطقة حالياً" !

وبعد هذه الفوضى العارمة التي تلف حياتي وحياة غالبية سكان جدة، أتذكر حكمة قديمة لطالما سمعناها:

"ثق بنظام GPS حتى يلقي بك في عرض البحر".

وهذا ما حدث معي فعلياً، فأنا الآن قابعة في قلب البحر الأحمر، قبالة ميناء بورتسودان، ولم أبرح مكاني منذ أيام، على أمل أن يعود لي وعي جوالي الحبيب إلى مدينتي الغالية جدة.

تذكرت قصة ظريفة حدثت في كندا، حيث اتبعت سيدة تعليمات نظام GPS بحذافيرها، لدرجة أنها تجاهلت حقيقة أن الطريق الذي قادها إليه كان عبارة عن بحيرة مياه عذبة!

فقد كانت السماء تمطر بغزارة، والرؤية شبه منعدمة، وجهاز GPS يصرخ في وجهها بكل ثقة:

"استمري على الطريق المستقيم"، فاستمرت المسكينة (يا حظها) حتى هوت بسيارتها في وسط البحيرة، ومن رحمة الله تعالى، نجت بنفسها قبل أن تغرق المركبة، وعندما سألها أفراد الشرطة عن سبب فعلتها، أجابتهم ببساطة:

"نعم، لقد رأيت الماء، ولكني كنت أثق في نظام GPS ثقة عمياء".

في عصر التكنولوجيا والخرائط الذكية، لا يمكن لأحد أن ينكر فضل نظام تحديد المواقع العالمي GPS في تسهيل حياتنا اليومية، فقد أصبحنا نعتمد عليه اعتماداً كلياً في تنقلاتنا ورحلاتنا وأسفارنا، وقد أغنانا عن سؤال الآخرين عن الاتجاهات والمقاصد والوجهات، وعن أماكن وظروف الازدحام المروري على الطرق التي نسلكها.

صحيح أننا ننهال عليه بالشتائم حين يضللنا، ولكننا في الوقت نفسه لا نستطيع الاستغناء عنه أبداً.

المشكلة الحقيقية تكمن في أن تكون متواجداً في بلد ما، بينما يظهرك النظام وكأنك في بلد آخر بعيد، فتختلط عليك جميع الحسابات والمواعيد والإعدادات، وتشعر وكأنك طفل صغير تائه في مركز تجاري عملاق، تبكي بحرقة وتبحث عن والدتك.

ولكن لا تقلقوا، مادمت موجودة في السودان حالياً، وإلى أن تستعيد إشارتي مكانها الصحيح، وتدرك الأقمار الصناعية والخرائط حجم الخطأ الذي ارتكبته بإبعادي عن دياري وحرماني من طبق "المطبق" الذي اشتهيت، اعتبروني أختكم، وأي خدمات سودانية تحتاجونها، أنا رهن إشارتكم.

ولكن نصيحة من القلب، طالما أنكم مازلتم في مواقعكم (اللهم لا حسد)، ابتعدوا قدر الإمكان عن شواطئ البحر الأحمر، خشية أن أجدكم هنا تتزاحمون بالدور، ثم ننشد جميعاً:

"الليلة بالليل، نمشي شارع النيل، أنا وأنت سوا".

* رسالة:

"يا رب كل من يتشفى بي، أسكنه بوركينا فاسو".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة